يهود ليبيا في الحرب العالميّة الثانية

ومنذ عام 1911، كانت ليبيا تحت الحكم الإيطاليّ المباشر، وتحسّن وضع اليهود في جميع مجالات الحياة. كبر المجتمع ديموغرافيًّا، تحسّنت مكانتهم القانونيّة، تعلم اليهود الإيطاليّة وانخرطوا في أنظمة الحياة الإيطاليّة. بدأ تدهور وضع اليهود منذ تأسيس محور روما برلين في عام 1935، الذي كان تحالف بين التعاون موسوليني وهتلر. على الرغم من أنّ إيطاليا لم تتبنّى قوانين نورمبرغ، إلّا أنّها أصدرت قوانينها الخاصّة المعادية للسامية ضد اليهود باسم "بيان العرق الإيطاليّ" في تشرين الثاني 1938، التي تعني المسّ باليهود وبقدرتهم على مواصلة الاندماج في منظومات الحياة الإيطاليّة في ليبيا.

 طموحات موسوليني الإمبريالية والوضع في الحرب، دفعته إلى شنّ حملة عسكريّة ضدّ قوّات الحلفاء في مصر. بين عامي 1940 و 1942 دارت حرب على الأراضي الليبيّة. عانت ليبيا من قصف الحلفاء، إضافة إلى حملة عسكريّة برّيّة واسعة النطاق. كانت الحرب صعبة ودمويّة، لم يكن فيها حسم عسكريّ واضح حتى تشرين الثاني 1942. كان الجانب الرئيسيّ من الحرب في الجزء الشرقي من البلاد في منطقة كارنيكا، التي كانت أكبر مدينة فيها هي بنغازي. في هذه المنطقة عاش أكثر من 5000 يهوديّ. لقد عانى اليهود كثيرًا خلال الحرب. بالإضافة إلى التحرّكات العسكريّة التي صعّبت على الجالية اليهوديّة، وكذلك على غيرهم من سكّان المنطقة، اتّهم الإيطاليّون اليهود بالتعاون مع قوّات الحلفاء، ويسهمون بذلك في هزيمة إيطاليا. وبالفعل في حالات الاحتلال المتكرّرة للمنطقة، هاجم الإيطاليّون اليهود. كان أوج هذه العمليّة طرد معظم اليهود في المنطقة إلى معسكر جادو في جنوب ليبيا. كانت عمليّة لوجستيّة لم يسبق لها مثيل بمصطلحات الحرب ومسًّا خطيرًا جدًّا باليهود الذين يعيشون في المنطقة. كانت الحياة في معسكر جادو، الذي يديره الإيطاليون، صعبة للغاية. أدّى وباء الزحار الذي تفشّى في المعسكر، إلى وفاة مئات اليهود. لقد كانت مأساة حقيقية بالنسبة إليهم.

على ضوء عدم قدرته على حسم الحرب ضدّ القوّات البريطانيّة، الأستراليّة، النيوزيلنديّة، الهنديّة وغيرها، توجّه موسوليني إلى هتلر، وأرسل الأخير جيشًا ألمانيًّا في محاولة منه لحسم الحرب. خاض الفيلق الأفريقيّ بقيادة الجنرال إرڤين رومل معركة صعبة ضدّ قوّات الجنرال برنار مونتغمري. اندلعت الحرب، ولم تُحسم المعركة بينهما إلّا في تشرين الثاني 1942 في منطقة العلمين. قادت الهزيمة الألمانيّة - الإيطاليّة في الحملة، قوّات الحلفاء إلى الشروع في حملة غزو كبيرة، أدّت إلى سقوط ليبيا الإيطاليّة نهائيًّا بيد القوّات البريطانيّة في 30 كانون الثاني 1943.

وبالفعل، يشكّل 30 كانون الثاني 1943 نهاية الحكم الإيطاليّ في ليبيا وبداية نظام عسكري بريطانيّ استمرّ حتّى الاستقلال الليبيّ. البريطانيّون الذين أدركوا أنّ عصر الاستعمار انتهى، عملوا على استصدار قرار في الأمم المتّحدة بشأن وضع ليبيا. لقد أسهم وجود الجنود اليهود في الجيش البريطانّي إسهامًا كبيرًا في إعادة تأهيل اليهود الليبيّين. ساعد الجنود اليهود في إعادة تأهيل جهاز التربية والتعليم، رفعوا معنويّات المجتمع اليهوديّ، هرّبوا يهودًا إلى أرض إسرائيل، وشجّعوا النشاط الصهيونيّ. 

 

كانت السنوات التي مرّت منذ تحرير ليبيا وحتّى استقلالها، صعبة بالنسبة إلى اليهود. في تشرين الثاني 1945، كانت هناك أعمال شغب شديدة جدًّا من جانب المسلمين ضدّ الجالية اليهوديّة، إذ قُتل خلالها 135 يهوديّ. هذه الاضطرابات، وانعدام الأمن بالنسبة إلى مستقبل يهود ليبيا، تسبّبت في موجة من الهجرة غير الشرعيّة، إذ هاجر نحو 10٪ من يهود ليبيا إلى إسرائيل، ممّا يمثّل بداية نهاية الوجود اليهوديّ في ليبيا.